سوق العمل و خريجي اللغة - English Majors Dilemma
مقالات فيرجينيا وولف، قصائد إيميلي ديكنسون، نظريات نعوم تشومسكي، حوارات ستيفن بينكر.. و غيرهم، كانوا رفقة جيدة لي أثناء دراستي الجامعية. كمتخصصة في علم اللغة الإنجليزية لطالما أشبعت فضولي المعرفي و كنت في أوج My Comfort Zone و أنا أقرأ بين كتاباتهم. لكن بعد التخرج، و كأي خريج في العلوم الإنسانية، مررت بمعضلة "هل شهادتي فعلاً ذات قيمة؟ هل سأتمكن من إيجاد وظيفة مناسبة؟ هل قروب رفقتي بيساعدني الآن؟"
مع ذلك، كنت ممن حالفهم الحظ -النادرين جداً جداً- و حصلوا على وظيفة فور تخرجهم! حيث عملت أثناء دراستي، كمترجمة مستقلة Freelancer و ترجمت العديد من الوثائق القانونية، حتى عرضت علي الشركة التي أترجم لها للعمل في إدارة الإلتزام.
لازلت بعد سنتين تقريباً من العمل في هذا المجال، أتلقى بعض التعليقات المستنكرة عن تخصصي، "انجليزي؟! غريبة توظفتي هنا!"
طيب ماذا عن مهاراتي؟.. التفكير الإبداعي؟ التحليل النقدي؟ الوعي الذاتي؟ تفسير السلوك البشري؟ .. في الحقيقة كل ما اكتسبته في دراستي هو ما ميّزني في عملي اليوم.
فمثلاً، مهارات القراءة التحليلية علمتني قراءة النصوص بعناية و كيف أتتبعها و أفكك خواصها و أحدد الأفكار الجوهرية فيها. ولا زلت كموظفة في كل مرة يطلب مني مراجعة مستند ما أو الرد على خطاب ما، أتفحص النص، أستقرئ ما بين السطور و استشف المعنى الضمني له.. وأكتب. و هنا مهارة الكتابة علمتني كيف أختار ال Tone المناسب و كيف أوّضح فكرتي بأسلوب سلس و بتسلسل منتظم بحيث يتمكن الجميع من استيعابها. مهارات البحث والكتابة النقدية علمتني مراحل تكوين استنتاج ما، بالبحث عن المصادر المناسبة وبجمع الأدلة والحجج والقدرة على طرح الفكرة و تقييمها. حالياً في عملي ساعدتني هذه المهارات على كتابة التقارير والخطابات و وضع السياسات الداخلية للشركة وأيضاً وضع خطط العمل لبعض المشاريع. بالإضافة إلى أنها أكسبتني القدرة على اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة وكيفية التخطيط والتنظيم، لاسيما للأعمال والبرامج السنوية المعتمدة في كل إدارة.
يؤرقني هذا الحصر لخريجي العلوم الإنسانية للعمل في المجالات الأكاديمية والتعليمية فقط. رغم أننا نملك كل المهارات المطلوبة وذات القيمة في سوق العمل، كالقدرة على الإقناع و الكتابة و الإدارة و مهارات التواصل.. إلخ.
بالإضافة لإمتلاكنا لهذه ال transferable skills، نحن ال Humanities نملك إدراك حسي عالي، ساعدتنا دراساتنا على تعزيز هذا ال Self Awareness بداخلنا و أيضاً علمتنا مفهوم آخر للعلاقات البشرية وطبيعتها المعقدة وكيف نفسر سلوكياتنا. نحن أشخاص علمنا الأدب الإنضباط و التهذيب الذاتي وكيفية التحكم بمشاعرنا، علمنا الأدب ألّا نحكم على الآخرين فالقاتل لا يقتل عبثاً، وعلينا أن نقبل اختلافاتنا فلكل منا قصة، و ألّا نرضخ للقوالب ولا للتصنيفات. علمتنا علوم اللغويات قوة الكلمة و مدى تأثيرها وأن علينا اختيار مفرداتنا بعناية وأن نراعي بها الآخرين، علمتنا اللغويات تركيب الجمل و صياغتها وكيفية التلاعب بها ببراعة.
من بين كل العلوم الأخرى نحن نخلق توازناً مطلوب و مهم في بيئة العمل، و يعود ذلك لطبيعتنا المرنة واستطاعتنا للتكيف و التأقلم وقدرتنا على إعادة تشكيل ذواتنا ومهاراتنا "Reinventing ourselves" ويظهر ذلك في عملنا بالمجالات المختلفة وتغيير مساراتنا المهنية عمّا هو متوقع منا كالتدريس.
بإمكانك عزيزي خريج العلوم الإنسانية، العمل في التسويق والمبيعات والموارد البشرية والعلاقات العامة وخدمة العملاء وإدارة المشاريع والقانون والحقوق الإنسانية والفنون والتصاميم .. وغيره! فقط بالإستثمار الصحيح لمهاراتك وتسويقك الجيد لها، بمعرفتك لنقاط قوتك وكيف تبرزها، ولا يغنيك ذلك عن المعرفة في المجالات الجديدة والتعلم الذاتي و المستمر.
و أخيراً، أثناء كتابتي لهذه التدوينة تذكرت نصيحة أحد أساتذتي لي في الجامعة "Use your words wisely, Lina سيفتح لكِ ذلك آفاقاً كثيرة"
Comments
Post a Comment